عُقد الاسبوع الماضي مؤتمر "سيدر" في فرنسا، الذي حمل عنوان مساعدة لبنان على النهوض باقتصاده. هلل بعض اللبنانيين لهذه المساعدات التي تمثل قروضاً وديوناً اضافية على لبنان، بينما أعرب البعض الآخر عن تشاؤمه من رزم القروض هذه. الأكيد في الأمر، أن هذه المليارات التي انهالت على لبنان لم تكن كرمى لعيون "بلاد الأرز".
قد يحاول البعض تشبيه الوضع الاقتصادي للبنان، الهش، بوضع اليونان قبيل أزمتها المالية، الا أن نهوض أثينا وانتشالها من قعر الأزمة كان سببه وقوف الدول الأوروبية بجانبها ومساعدتها لتخطي تلك الأزمة. لكن في حالة لبنان، من سيساعد هذا البلد على تخطي أزمته الاقتصادية، في ظل الفساد المستشري في أغلب قطاعاته؟.
يرى عميد كلية ادارة الاعمال والاقتصاد في جامعة الحكمة البروفيسور روك-انطوان مهنا أن "لبنان وصل الى حافة الهاوية بسبب وضعه الاقتصادي، وسنصل الى مرحلة انهيار في حال لم يتم اتخاذ اجراءات حيال ذلك"، لافتاً إلى أن "الفرق بين أزمة لبنان وأزمة اليونان هو أن الاهتمام الأوروبي والغربي الكبير سببه وجود أكثر من مليون ونصف المليون نازح سوري في لبنان، ما أدى لخوف تلك البلدان من زعزعة الاستقرار الاقتصادي اللبناني، ما سيؤدي إلى تداعيات على النازحين الذين قد يتوجهون الى اوروبا. وبالتالي، فإن مصلحتهم هي في استقرار لبنان لحماية الوجود السوري".
ويعزو مهنا "هريان" الوضع الاقتصادي في لبنان مؤخراً إلى "الفساد المستشري الذي بات مفضوحاً، اضافة إلى العشوائية الاقتصادية في قانون الضرائب الذي موّلت فيه السلسلة والذي كان قانوناً سلبياً على الحركة الاقتصادية".
بالعودة إلى موضوع مؤتمر "سيدر"، يلفت الخبير الاستراتيجي والاقتصادي البروفيسور مهنا إلى أن "مؤتمر سيدر هو ابرة "مورفين" لوضعنا الاقتصادي وتأجيل للأزمة، فاذا لم تنفذ الاصلاحات المشروطة ستكون النتيجة أخطر من قبل"، مضيفاً، "في مؤتمر سيدر حصل لبنان صورياً على 11 مليار دولار، لكن فعلياً هناك 4 مليارات دولار ممنوحين منذ فترة للبنان، إلا أننا لم نحصل عليها بسبب عدم التزامنا بالشروط آنذاك، كما أنه في كل المؤتمرات الداعمة للبنان لم نأخذ نصف المبالغ بسبب عدم تنفيذ الشروط والاصلاحات".
وعن تفاصيل هذه القروض، يوضح مهنا أن "هذا المبلغ هو وعود مرتبطة بتنفيذ بعض الشروط والاصلاحات، واذا لم تنفذها الدولة لن تحصل على هذه المبالغ"، مشيراً إلى أن "الشروط مرتبطة بالخصخصة ومكافحة الفساد والحكومة الالكترونية وتخفيض الموازنة بنسبة 5% اضافة لتحصين الاتصالات والكهرباء وغيرها من القطاعات"، لافتاً إلى أن "هذه القروض الميسرة هي على فترة متوسطة الأمد (معظمها على فترة 5-6 سنوات) وليس كما كان متوقعاً أي على فترة 30 سنة، وهذا المدى يجعل لبنان أمام استحقاقات اقتصادية في فترة قصيرة في ظل الانكماش الاقتصادي الذي يعيشه. وهذه القروض تتركز على مشاريع في البنى التحتية من سدود وصرف صحي وشبكات المواصلات".
ويؤكد رئيس الرابطة العالمية للاقتصاد في لبنان البروفيسور مهنا أنه في حال عدم استثمار هذه القروض بالطريقة الصحيحة وفي حال عدم الالتزام بالشروط، فإن لبنان سيكون بخطر اقتصادي دولي، "لأننا سنكون تحت المجهر الدولي، وأقل خطأ في تنفيذ الاصلاحات والتلزيمات سينعكس مباشرة على الاسواق المالية الخارجية أي أن "غسيلنا سيكون منشوراً" أمام العالم". ويشرح مهنا أن "هذه الشروط والاصلاحات يجب أن تكون عبر خبراء بالاقتصاد لانتشال لبنان من الواقع الذي يعيشه، فالهفوة اليوم ستؤثر على اسواقنا العالمية وستؤدي إلى صعوبة اصدار سندات خزينة باليورو-دولار والاستثمار في البنوك الاجنبية، أي أن كل الشق الخارجي سيتخوف من التعامل مع لبنان وكل الاخطاء سيكون من الصعب لفلفتها لأننا بتنا تحت المراقبة الدولية".
وعن الشروط المرتبطة بالقروض، يلفت مهنا إلى أنه "في البيان النهائي ذُكر أنه من الاصلاحات والشروط يوجد شرط تخفيض الموازنة بنسبة 5% للسنوات المقبلة من خلال الواردات، فهل هي من جيوب الناس"؟، مشدداً على أن "الشعب لا يمكنه تحمل ضرائب اضافية وذلك سيكون له تأثير اضافي على الاقتصاد اللبناني، لا يمكننا زيادة الايرادات من الضرائب، بل يكون ذلك عبر منع التهرب الضريبي ومن الزام الجميع بالـTVA".
ويشير مهنا إلى أنه "من الشروط ايضاً اصلاح قطاع الكهرباء، ليس عبر زيادة التعرفة بل عبر انشاء المعامل الخاصة بالكهرباء لا استقدام البواخر، وعبر الجباية الصحيحة من كل المواطنين ومنع سرقة الكهرباء، اضافة لاستخدام العدادات الذكية"، مضيفاً ان "تحسين هذا القطاع يكون عبر تحسين الادارة بمؤسسة كهرباء لبنان وانشاء معامل الغاز الطبيعي بأقل كلفة".
وبما يخص الهدر والفساد، يؤكد أنه "يمكننا تخفيف مدفوعاتنا عبر الاستدانة من صناديق مدعومة دولياً بفوائد قليلة وليس كما نفعل اليوم بالاستدانة من سندات الخزينة بفوائد 8%، اضافة لحل مشكلة القطاع العام والتخمة بالتوظيف فيه"، موضحاً ان "نسبة العمالة فيه يجب ألاّ تتخطى الـ10% لكنها وصلت اليوم إلى نسبة الـ22% وهذا مؤشر سيء لأنه الاقل انتاجية في لبنان".
ويختم مهنا بالقول "لا يجب أن نفرح بالأموال واستخدامها في الدعاية الانتخابية بل الموضوع أدق فهو دين متوسط الأمد مرتبط ومشروط بالاصلاحات والخطأ فيها سيؤثر سلبياً على كل الاستثمارات الخارجية المباشرة في لبنان والتصنيف السيادي الذي يؤثر على اصدارات السندات باليورو بوندز في الأسواق الخارجية".